فصل: فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الإسراء:
الآية الأولى من هذه السورة تضمنت قصة الإسراء، ثم عاد التاريخ القهقرى ليذكر بني إسرائيل وما عرض لهم أثناء إقامتهم الأولى في فلسطين. لقد أوتوا التوراة دينا ودولة، والمرتقب منهم ومن أمثالهم إذا أقاموا حكومة دينية أن تكون صورة للنظام لا للفوضى، وللعدالة لا للجور، لكن بني إسرائيل الذين عانوا كثيرا تحت وطأة الاستبداد الفرعونى لم يلبثوا طويلا حتى جددوا سيرة الفراعنة الأولين، فعاثوا في الأرض فسادا، ولم يكن بد من تأديبهم، وتسمى هذه السورة سورة بني إسرائيل، كما تسمى سورة الإسراء، ويشرح القرآن الكريم أن العجز الإدارى والخلقى في سلطة بلد ما ينتهى بزوال هذه السلطة، وقدوم آخرين من الخارج ليتولوا هم الحكم، ويعاقبوا العابثين، قال تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} يعني سجلات العلم الأزلي {لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا}. إن الدولة التى تختل أمورها تختل أرضها، وتفقد استقلالها وحريتها.. أوتيت ملك فلم تحسن سياسته كذاك من لا يسوس الملك يخلعه.! إن الفساد والاستعلاء لا يتصوران في حكم يقوم على الوحى وينتسب إلى السماء، ولذلك فإن عقوبة أهله تكون شديدة، استعمار أجنبى يقوم على الإذلال والاضطهاد، حتى إذا استقام المعوج وعاد إلى أدبه واصطلح مع ربه عادت إليه مكانته وكرامته {ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}، وليس ما يقع مكافأة أنهت المأساة. إنه اختبار جديد، وعلى الشعوب أن تعي وترعوي {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها}.
ويظهر أن اليهود أدمنوا المرض، واستمرأوا العلل، فلا تكاد أحوالهم تستقيم عصرا حتى يحنوا إلى عبثهم ومظالمهم، ويتجدد العقاب، وتتجدد التوبة {وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}، ويقول التاريخ: إن الإفسادة الأولى أعقبها تدمير الآشوريين لدولة اليهود وهدمهم لهيكل سليمان. ثم قامت الدولة ثانية، وعادت إلى الإفساد فهاجمها الرومان وتكررت العقوبة، وبقى اليهود دهرا طويلا بلا دولة!!. ثم شاء الله أن يقلد المسلمون اليهود، وأن يفسدوا دولة الوحى بأهوائهم! وكانت عقوبة القدر هذه المرة أن يقيم بنو إسرائيل دولة على أنقاض العرب الذي تخلوا عن القرآن، واخلدوا إلى الأرض، والصراع القائم اليوم غريب، لأنه بين مسلمين تخلوا عن مواريث السماء، واستهوتهم نزعات جنسية!! وبين يهود يرفعون راية التوراة، ويعظمون يوم السبت. أى: بين وحى حق قليل الأنصار، وبين وحى مختلط محرف يغالى به أهله {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا} ونعود إلى سورة الإسراء لنلحظ فيها أمرا تفردت به، وهو أن كلمة {القرآن} تكررت نحو إحدى عشرة مرة، وهو ما لم يقع في سورة أخرى! ألهذا علاقة بما شرحناه من طبيعة المعركة القائمة اليوم بيننا وبين اليهود؟ ولنذكر الآن هذه الآيات:
1 – {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا}.
2 – {ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا}.
3 – {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا}. يقول جل شأنه قبل ذلك: 4 – {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا}.
5 – {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا}.
6- و7 – {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}.
8 – {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.
9 – {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
10 – {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا}.
11 – {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}، وقد ذكر القرآن في هذه السورة باسم الروح {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}، والسياق أدل على هذا المعنى من التفسير الآخر للروح، وإن كان تفسيرا جائزا. كما ذكر القرآن بعود الضمير إليه في قوله تعالى: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا} إن سورة بني إسرائيل انفردت بهذه الخاصة عل المسلمين يفقهون أن القرآن الذي صنع أمتهم قديما قدير على أن يصبهم في قوالب السيادة والقيادة مرة أخرى، وعلى أن ينتزع من نفوسهم حب الدنيا وكراهية الموت، ويهب لهم قلوبا شجاعة تفتدى الحق وتحرص على لقاء الله!!. أحيانا يكون الجهل عذرا مخففا، أما التجاهل والاستكبار على الحق وإيثار العمى على الهدى فهو ذريعة غضب هائل، وقديما سلط الله عبدة الأوثان على بني إسرائيل، لأنهم لم يقدروا كتابهم قدره، فليس عجيبا أن يسلط على المسلمين بعد ما أهملوا القرآن من لا يقيم لهم وزنا أو يعرف لهم حقا، وطريق العودة واضح: لابد من عقيدة وشريعة وأخلاق ومعاملات تتفجر من ينابيع القرآن، ويحيا بها المسلمون من جديد، حياة تجعلهم أمة الوحى، وصلة السماء بالأرض. من تجاوز الحق ومتابعة الوهم أن تزرع في الصباح وتنتظر الحصاد في الأصيل! إن لكل شىء أوانا يتم فيه، رضى المرء أم سخط، والإنسان لا يشب في يوم، والحضارة لا تزدهر في شهر، والنتائج تتحقق وفق قوانين مضبوطة تتم مع كر الغداة ومر العشىّ.
مهما دعا المؤمن فلابد من الصبر على سنن الله الكونية. {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا} ورعاية للزمان وخضوعا له جاء الحديث عنه في الآية اللاحقة: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلًا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا} ومع سير الزمن تقوم دول وتنهزم أخرى، ويعلو أمر اليهود ويسفل، كما أبان الوحى أول السورة، وكذلك تتقلب الدنيا بغيرهم من الناس. لكن الإنسان هو المسئول الأول عن نفسه، إذا عقل فقد اتخذ القرار السليم، وإن شرد هوى {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وهذا قانون للأفراد والشعوب، وإن كشف القرآن الكريم هنا أن الترف أول مظاهر الفساد في الآفة، وأن المترفين هم الجراثيم الحاملة والناقلة للمرض، وأن مطاوعتهم خطوة إلى الهاوية {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} والحضارات القائمة على الدين تظل معتصمة به، وحاملة لواءه ما ظلت بعيدة عن الترف والمراسم الفارغة، وقسوة القلب، ويتم لها ذلك إذا حددت موقفها من الآخرة تحديدا واضحا {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} ما نشاء لمن نريد!! عبارة صارمة، إن الله لا يغلب على أمره، ولا ينال ما عنده إلا بإرادته، وما يملك أحد عليه شيئا.، والتدين الكاذب لا يروج عند الله، وليست لأهله وجاهة، ويقول سبحانه هنا: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} والحديث عن الأمم السابقة حتى بعثة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أما بعد ذلك فقد تحدثت آية أخرى عن مصاير المجرمين {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا} والكتاب فيما يبدو هو سجل العلم الإلهى.، والتحذير لنا وللناس أجمعين، ما النجاة من هذه المصاير؟ تسوق سورة بني إسرائيل خلال صفحتين حافلتين جملة من الوصايا العظيمة تعصم الناس من الزلل، وتقودهم إلى الرشد، وتضمن لهم الرعاية الإلهية في الحاضر والمستقبل، وتبدأ هذه الوصايا بقوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} وتنتهى بقوله: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا} بدأت هذه النصائح بتوحيد الله وختمت كذلك بتوحيده، لأن القلب الذي يعنو لغير الله لا أمل فيه، والاستقامة الكاملة مربوطة بالتوحيد الكامل، ومع عبادة الله وحده يجىء البر بالوالدين، ويدرك المرء قيمة هذه الوصاة عندما يتأمل في المجتمعات الغربية، ويرمق ملاجئ العجزة، أى الآباء والأمهات عند الكبر. لقد ضاقت بهم بيوتهم، وابتعد عنهم أولادهم، وصاروا إلى هذه المبانى المخصصة لهم حتى يدركهم الموت!!. إن الأجيال التى وهبت الحياة للآخرين لم تجد لديهم لمسة وفاء، إنهم ينطلقون في الدنيا انطلاق الوحش في البرية، حتى إذا ولى شبابهم سكنوا في مساكن آبائهم بعد أن يخليها منهم الموت.، وهكذا.. لقد صارت الأثرة قانونا..!!، والغريب أن الآباء يربون أولادهم حتى البلوغ فإذا جاء سن الرشد فلكل وجهة هو موليها! ما تجمعهم في الدنيا إلا أعياد الميلاد، أو مناسبات خاصة.. إن للجماعة المؤمنة شارات أخرى، يقول الله في الوالدين: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} ويقول في الأقارب: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا} والتفسير الحق عندى أن المرء لا يجوز له التوسع في النفقة والاستكثار من الكماليات، فإن ذلك تبذير يحصد ما لديه، ولا يبقى عنده فضلا يعطيه قريبا أو بعيدا.، وأكد القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}، وسياسة تقليل النسل لا تغنى عن الشعوب البليدة شيئا! يجب أن تلتمس المفاتيح لخزائن الخيرات التى بثها الله هنا وهناك، والسماء لا تمطر القاعدين ذهبا ولا فضة.. {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}.
ونهى القرآن عن الزنا، والزنا عملة متداولة في الحضارة الحديثة، وهو أفضل من الكبت في مجال التربية عندهم، ولا يعاقب عليه قانونا مادام بالتراضى!! والله يقول: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}، ومع أن قتل النفس جريمة فالقانون لا يقتل القاتل.، وقد حرمت عقوبة الإعدام في دول كثيرة! وأدى ذلك إلى شيوع القتل وسفك الدماء الحرام {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا}.
وأمر الله الناس باحترام مال اليتيم وبالوفاء بالعهود، وبضبط المكاييل والموازين. ثم ذكر لكل إنسان أنه مسئول عن سمعه وبصره وقلبه، إنه مسئول عن كل شىء فيه، فلا يجوز أن يحيا فوضويا سائبا {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}، ولو أن الناس وقفوا أمام ما يعرض لهم من أوهام، ولم يصدقوا ما وصل إليهم من شائعات لنجوا من شرور جمة!، ونهى القرآن أخيرا عن الخيلاء وذهاب المرء بنفسه {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}. إن هذه الوصايا تقيم الفرد المؤمن والشعب المؤمن، والحضارة الصالحة، ولن يهزم الله أمة تمسكت بهذه الخلال. بدأ في ختام هذه النصائح حديث شجى عن الله ولقائه، والكون وخالقه!، وأذكر أن الدكتور أحمد زكى وصف الكون بشموسه وأقماره: بأنه كون راقص، كل شىء فيه يتحرك! من شروق إلى غروب، ومن علو إلى هبوط، إنه يتحرك وفق نغم معين لا فوضى فيه ولا نشاز، وكل دقيقة تمر تشهد بعظمة صاحبه، وتنطق بعلو قدره، ومع ذلك فلا أدرى لم أنا مبهور بخلق الإنسان؟ تائه في أسرار القدرة الكامنة في خلقه؟ نظرت تحت الساعة الموضوعة بمعصم يدى اليسرى! كانت ضاغطة قليلا على الجلد، أثر ذلك فى الشعيرات الدموية قليلا، لم يؤثر في قنوات الأعصاب التى تحمل الإحساس، ولا في أفواه الغدد التى تمد الشعر بالغذاء، ولا في الخلايا التى تفرز العرق!!، وتتابع فكرى في هذا الجسم كله وأجهزته العاملة، وكيانه المتجدد كما يقول! العلماء، إن مئات الملايين من الخلايا تعمل مؤدية وظيفتها بدأب ونظام، وتحدد لأبناء آدم مسيرتهم في هذه الحياة!! أتدرى خلية في المخ أو في الأصابع ما تعمل؟ ليس لكرات الدم البيضاء أو الحمراء أو لغيرها من أعضاء الجسد عقل تهتدى به!. إن بارئها أودع فيها وظيفتها ودفعها في مسارها، فما تحيد عنه يمنة أو يسرة. أذلك ليوم واحد؟ كلا! إنه لعمر مكتوب لا يزيد ولا ينقص!. أذلك في شخص واحد يتركز الاهتمام فيه؟ كلا، إنه في أكثر من خمسة مليارات شخص يتوزع الاهتمام عليها، فما يقل في أحد عن آخر!. ألا يصرخ ذلك بعظمة البارئ الأعلى؟ إن كل فرد، بل كل ذرة، شاهد صدق على عظمة الله!، ونظرت في سورة {سبحان} فإذا الله ـ جل شأنه ـ يخاطب المشركين بحديث عجب: {ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا * قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا * تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} ولست أحقق هنا: هل تسبيح الكائنات بحمد ربها دلالة حال أو دلالة مقال؟. إن الكون ـ على أية حال ـ لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم به الحى القيوم!!، وإذا صعب على مغفل أن يعرف الله، وأن يقر بوحدانيته فلن يضر الله شيئا، فكل شيء يسبح بحمده!، ومضت السورة تحدث المشركين عن الله الذي هجروه، واتخذوا الأصنام آلهة من دونه، إنهم ذاهلون تائهون، لا يحبون أن يسمعوا حديثا عنه!، وهم يحسبون الرسول رجلا مسحورا، وهم يعتقدون أنه لا حياة إلا في هذه الدنيا، وتلك طبيعة الدواب! إن الدواب لا تشعر بغد قريب أو بعيد، إنها تعيش يومها وحسب، هي محبوسة وراء محيطه، والغريب أن العالم المعاصر لا يدرى إلا هذا المنطق، وهو يشيعه في عالم الفن والغناء، وعالم القانون والفلسفة!! {وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقًا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} والإنغاض: تحريك الرأس علوا وسفلا إنكارا واستهزاء.، وفى موضع آخر من السورة تكرر رفض المشركين للبعث والجزاء، فبين القرآن الكريم أن الإنسان امتاز على الدواب بعقله، فإذا فقد هذا العقل نظر ولم ير، وسمع ولم يع، ونطق بالباطل، وفقد أهليته لهداية الله، وعالن بإنكاره لوجوده ولقائه: {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا}، وفى سورة بني إسرائيل لا غرابة أن يوصى الله المسلمين بإحسان القول، ففى وصايا الله لليهود {وقولوا للناس حسنا} فليكن الإحسان في القول والتلطف في الدعوة شيمة الأمة الخاتمة! {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}، وتلت ذلك إشارة إلى أن أمر المسلمين سوف يعلو حتى يرثوا الأرض، وذلك في قوله تعالى: {وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا} إن الزبور الذي نزل على داود يقول الله فيه {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، فإيثار داود بالذكر لفت نظر لهذه الإشارة الدالة على خلود أمتنا واتصال رسالتها، والحق أن التوحيد الذي تميزت رسالة الإسلام بتقريره، وتحمست لإشاعته، يربط الناس بربهم ربطا شديدا، ويجعل عروتهم به وثيقة، ويقرر أن كل ماعدا الله عبد له، مقهور في جلاله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.